تأثير الذكاء الاصطناعي على قانون الملكية الفكرية
مع تطور
تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)
القادرة على توليد أعمال فنية، كتابة نصوص، وحتى اختراع منتجات، أصبحت الأنظمة
القانونية للملكية الفكرية تواجه تحديات غير مسبوقة. الأسئلة المحورية اليوم: من
يملك حقوق مخرجات الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن اعتبار الـAI))مُخترعًا أو مبدعًا؟ هذه الإشكاليات تعيد تشكيل مفاهيم الملكية
الفكرية التقليدية، خاصة في ظل اختلاف التشريعات بين الدول.
1. التحديات القانونية الجديدة
أ.
إشكالية "المؤلف/المخترع"
تُنص معظم القوانين (مثل قانون حقوق المؤلف
الأمريكي والاتحاد الأوروبي) على أن الحقوق تُمنح للبشر فقط. لكن في 2021، رفضت
الولايات المتحدة وأوروبا منح براءة اختراع لـ**DABUS** (نظام ذكاء اصطناعي ابتكر تصميمات صناعية)، بحجة أن المخترع يجب
أن يكون "شخصًا طبيعيًّا"، بالمقابل سمحت جنوب إفريقيا للمرة الأولى
بتسجيل براءة اختراع باسم الذكاء الاصطناعي، مما أثار جدلًا حول ضرورة تحديث
التشريعات.
ب.
انتحال الأعمال الفنية عبر الـ (AI)
في
2023، رفعت شركة جيتي إيميجز دعوى قضائية ضد شركة Stability
AI (مطورة أداة Stable
Diffusion) بتهمة استخدام صورها المحمية دون ترخيص
لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي ،القضية تطرح تساؤلات حول "الاستخدام
العادل" (Fair Use) في
عصر الـAI.
2. مقارنة بين الأنظمة القانونية
أ.
النظام الأوروبي
-التشريع: تبنّت الاتحاد الأوروبي في 2023
توجيهات جديدة تُلزم مطوري الـAI
بالإفصاح عن البيانات المستخدمة في التدريب، وحماية حقوق المُبدعين الأصليين (مثل
توجيهات الذكاء الاصطناعي AI Act).
- القضاء: محكمة العدل الأوروبية أكدت في قضية
"Jigsaw v. Artist Alliance"
(2022) أن الأعمال الفنية المُولَّدة بالـAI لا
تتمتع بالحماية إلا إذا تدخل الإنسان فيها بشكل مبدع.
ب.
النظام العربي
- غياب الإطار الموحد: معظم الدول العربية
(مثل مصر والسعودية) لا تزال تعتمد قوانين تقليدية للملكية الفكرية، دون ذكر صريح
للذكاء الاصطناعي.
- استثناءات: الإمارات أطلقت في 2022
"المجلس الاستشاري للذكاء الاصطناعي والبلوك تشين" لمراجعة التشريعات،
لكنها لم تصدر بعد نصوصًا محددة لمخرجات الـAI.
-
المملكة العربية السعودية تدرس مشروع نظام ذكاء اصطناعي يتضمن فصولًا حول
المسؤولية القانونية، لكن تطبيقه على الملكية الفكرية ما زال غامضًا.
3. تشريعات محلية ودولية ذات صلة
-الاتفاقيات الدولية:
-
معاهدة الويبو (WIPO): ناقشت في 2023 إمكانية تعديل بنودها لتشمل
أعمال الـAI، لكن لم يتم التوصل لإجماع.
-
اتفاقية بيرن (حماية المصنفات الأدنية): لا تنطبق على الأعمال المُولَّدة آليًّا،
مما يخلق فراغًا تشريعيًّا.
- التشريعات الوطنية:
-
الاتحاد الأوروبي: المادة 4 من توجيه حقوق النشر الرقمي (2019) تُجيز استخدام
البيانات لأغراض البحث، لكن مع ضوابط لحماية الملكية.
-الولايات المتحدة: مكتب براءات الاختراع أصدر في 2022 مذكرة تُؤكد أن
"الـAI لا يمكن أن يكون مخترعًا".
-
الصين: أصدرت في 2023 أول إرشادات تنص على أن حقوق مخرجات الـAI تمنح لـمشغل النظام إذا كان للإنسان دور في التوجيه.
4. دراسات حالة حديثة
أ.
قضية "اللوحة الفنية المُولَّدة بالـAI"
(2022) رفضت محكمة في كاليفورنيا منح حقوق
نشر للوحة فنية أنشأها ذكاء اصطناعي (باستخدام أداة MidJourney)، بحجة أن القانون الأمريكي يشترط "التعبير الإبداعي
البشري".
ب.
قضية "AI Music Composer"
في اليابان (2023) سمحت اليابان بتسجيل أغنية مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي كمصنف
فني، شرط أن يضيف المنتج البشري تعديلات "ذات طابع إبداعي".
5. توصيات لمستقبل تشريعي متوازن
1. تحديد معايير واضحة لـ"التدخل
البشري": مثل نسبة المساهمة الإبداعية المطلوبة من الإنسان لمنح الحقوق.
2. إنشاء سجل عالمي لبيانات تدريب الـAI: لمنع انتهاك حقوق الملكية (مقترح من الاتحاد الأوروبي في
2024).
3. تبني نظام "الحقوق المشتركة":
حيث تُوزع الحقوق بين مُطور الـAI
ومُشغله والمُبدع الأصلي للبيانات المُستخدمة.
4. تعزيز التعاون العربي: عبر إصدار نموذج
موحد لتنظيم ملكية الـAI، بالاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي.
الخاتمة
الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف مفهوم الإبداع،
مما يستدعي ثورة تشريعية لمواكبة هذه التحولات. بينما تسعى أوروبا وأمريكا لسد
الثغرات عبر قوانين صارمة، تبقى الدول العربية في مرحلة الترقب، مما يعرضها لمخاطر
قانونية واقتصادية. الحل يكمن في مواءمة التشريعات مع الواقع التكنولوجي، دون
إعاقة الابتكار.
مراجع مقترحة للاستزادة:
- تقرير WIPO
(2023): "Artificial Intelligence and Intellectual Property Policy".
- قرار المحكمة الأوروبية في قضية Jigsaw
v. Artist Alliance (2022).
- دليل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء
الاصطناعي (SDAIA) حول أخلاقيات الـAI (2023).
